انحرافات فرعون موسى عليه السلام
﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ (1)
آل فرعون! جيش بلا قبور
إنحراف الدولة
مقدمة:
كان فرعون قمة إنتاج فقه الانحراف، بمعنى أن كفار قوم نوح الذين دونوا فقه النظر القاصر الذي صنف عباد الله إلى أشراف وأراذل، والذين تعهدوا الغرس الشيطاني الذي يقوم على رفض بشرية الرسول هؤلاء توجد بصمات شذوذهم وانحرافهم على الوجه الفرعوني. ففرعون موسى رفض النبي البشر وصنف عباد الله فَقَالُوا: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ (2) وإذا كانت عاد قوم هود هم الذين دونوا فقه الغطرسة واستكبروا وقالوا من أشد منا قوة؟ فإن بصماتهم حملها الوجه الفرعوني، ففرعون وملئه استكبروا وكانوا قوما عالين (3). وإذا كانت ثمود قوم صالح قد جحدوا بآيات الله وسخروا من رسوله، فإن بصمات الجحود والسخرية ترى بوضوح على الوجه الفرعوني، ففرعون تولى بركنه ووصف نبي الله موسى عليه السلام بأنه ساحر أو مجنون (4). وعندما جاءهم موسى بآيات الله كانوا منها يضحكون (5)! وإذا كان النمرود قد قال لإبراهيم عليه السلام: أنا أحي وأميت، فإن بصمات الدولة النمرودية توجد على صفحات الدولة الفرعونية! ففرعون هو القائل: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (6) وهو القائل لقومه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ (7) وإذا كان قوم لوط قد تآمروا على إبادة النسل بطريقتهم الخاصة، فإن لفرعون طريقته للتآمر على النسل وتبدو صورتها واضحة في خطة فرعون من أجل إبادة نسل بني إسرائيل. وإبادة نسل كل من آمن بالله الواحد ﴿قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ﴾ (
فلقد تتبع مواليد بني إسرائيل وتتبع السحرة الذين آمنوا بموسى حتى يعم في الأرض الفساد. وإذا كانت مدين قد دونت فقه نقص الكيل والميزان فإن فرعون نقص الميزان بطريقته الخاصة. فلقد غش قومه واستخفه ولم يطرح عليهم حقيقة كاملة فدولته كانت كل شئ فيها بميزان، ولكن هذا الميزان كان في قصر فرعون والعامل عليه لا يرى إلا بعيون فرعون ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (9) لقد كان الميزان كله عند فرعون، فرعون الذي استكبر وجنوده في الأرض بغير الحق، وظنوا أنهم إلى الله لا يرجعون!
_________________________________________________
1- أضواء على الفرعونية:
في الظاهر أن الباطل هو الذي يطارد الحق، ولكن الحقيقة تخالف ذلك، والدليل يكمن في نتيجة المطاردة، من انتصر على من؟ إن الباطل مهما طالت أيامه وكثر جنده واشتد ساعده، مطارد والذي يطارده هو الله، ولا بقاء لشئ يطارده الله ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (20) إن الباطل طارئ لا أصالة فيه، أما الحق فهو أصيل في الوجود، والحق لا يخفى بأي وجه وعلى أي تقدير وهو من أبده البديهيات، وليس في الوجود أي محبوب أو مطلوب أعز وأشرف وأغلى من الحق، لهذا فالحق هو الذي يطارد الباطل، ودائما وأبدا تكون نهاية هذه المطاردة أن الحق هو المنتصر في الدنيا ظاهرا وباطنا. لقد كان كفار قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وقومه. في خندق الباطل. فماذا كانت عاقبة المفسدين الذين ملأوا القلوب رعبا، والنفوس دهشة، وخربوا الديار، ونهبوا الأموال، وسفكوا الدماء، وأفنوا الجموع.
____________________________________________________________________
2 - الفرعون:
في عصر فرعون موسى كان بناء الشذوذ والانحراف قد اكتمل. ففرعون علا في الأرض يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ﴾ (24) يقول المفسرون: العلو في الأرض كناية عن التجبر والاستكبار. ومحصل المعنى: أن فرعون علا في الأرض، وتفوق فيها ببسط السلطة على الناس، وإنفاذ القدرة فيهم، وجعل أهلها شيعا وفرقا مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شئ وبذلك ضعف عامة قوتهم على المقاومة دون قوته والامتناع من نفوذ إرادته. وهو يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل، وهم أولاد يعقوب عليه السلام وقد قطنوا بمصر منذ أحضر يوسف عليه السلام أباه وإخوته فسكنوها وتناسلوا بها (25).
_______________________________________________________________________
3 - مولود على أرض الفراعنة:
إن الله تعالى رحيم مع كل جيل، وهو سبحانه يعلم ماذا يضمر الشيطان وأتباعه للصد عن سبيل الله. لهذا يقذف الله بالحق في كل مكان وزمان. ويقذف به في الماضي لتسري ذكراه مع كل حاضر. وعندما يأتي الزمان المقدر له، يواجه أتباع الشيطان. الذين قذفوا بأوراق الشذوذ وثقافة الانحراف على امتداد الأيام، من أجل إيجاد أجيال لهم في المستقبل تعتنق الشذوذ وتدافع عن الانحراف. ففي الوقت الذي كان أتباع الشيطان يمهدون بثقافة ابن الإله التي ركب عليها فرعون موسى.. كان يوسف عليه السلام يبشر بموسى الذي سيواجه قمة الإنتاج الفرعوني. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته وأهل بيته، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم أخذ يحدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق فيها بطون الحبالى وتذبح الأطفال، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طويل. ثم وصفه لهم بنعته... " (54).
_________________________________________________________________________
المصدر: الانحرافات الكبرى
القرى الظالمة في القرآن الكريم.
--------------------------------------------------------------------------------
1- سورة يونس، الآية: 83
2- سورة المؤمنون، الآية: 47.
3- يقول تعالى في سورة المؤمنون: (إلى فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين).
4- قال تعالى: (فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون) سورة الذاريات، الآية: 39.
5- يقول تعالى: (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون) سورة الزخرف، الآية: 47.
6- سورة النازعات، الآية: 24.
7- سورة القصص، الآية: 38.
8- سورة غافر، الآية: 25.
9- سورة الزخرف، الآية: 51.
10- سورة الأحزاب، الآية: 7.
11- سورة الشورى، الآية: 13.
12- سورة مريم، الآيتان: 51 - 52.
13- سورة الأحزاب، الآية: 69.
14- سورة النساء، الآية: 164.
15- سورة الصافات، الآيات: 114 - 122.
16- سورة طه، الآية: 47.
17- سورة مريم، الآية: 53.
18- سورة مريم، الآية: 58.
19- سورة الأنعام، الآية: 84 - 88.
20- سورة الأنبياء، الآية: 18.
21- تاريخ الجوع والخوف / للمؤلف - تحت الطبع -.
22- المصدر السابق.
23- تاريخ مصر في عهد البطالمة / وإبراهيم نصحي: 26 / 2.
24- سورة القصص، الآية: 4.
25- الميزان: 8 / 16.
26- سورة الدخان، الآية: 31.
27- سورة طه، الآية: 24.
28- سورة طه، الآية: 79.
29- سورة الفجر، الآية: 10.
30- سورة النازعات، الآية: 24.
31- سورة القصص، الآية: 38.
32- سورة غافر، الآية: 29.
33- سورة يوسف، الآية: 37.
34- سورة طه، الآيات: 14 - 16.
35- تاريخ الجوع والخوف / للمؤلف. تحتب الطبع.
36- سورة غافر، الآية: 29.
37- سورة هود، الآيتان: 97 - 98.
38- سورة النمل، الآية: 12، سورة الزخرف، الآية: 54، سورة القصص، الآية: 32.
39- سورة الدخان، الآية: 22.
40- سورة يونس، الآية: 75.
41- سورة يونس، الآية: 86.
42- سورة يونس، الآية: 85، سورة التحريم، الآية: 11.
43- سورة الشعراء، الآية: 27.
44- سورة الذاريات، الآية: 39.
45- سورة الزخرف، الآية: 47.
46- تاريخ الجوع والخوف / للمؤلف تحت الطبع.
47- سورة القصص، الآيتان: 41 - 42.
48- سورة العنكبوت، الآية: 13.
49- سورة يس، الآية: 12.
50- الميزان: 39 / 16.
51- سورة هود، الآيات: 97 - 99.
52- سورة غافر، الآية: 29.
53- الميزان: 380 / 10.
54- كتاب الأنباء: 264.
55- كتاب الأنباء: 265.
56- كتاب الأنباء: 266.
57- كتاب الأنباء: 267.
58- سورة القصص، الآيتان: 7 - 8.
59- كتاب الأنباء: 262.
_________________________________________________
م
ن
ق
و
ل